
العالم في عام 2030: رؤى من ثمانية خبراء
2030: صعود الذكاء الاصطناعي وتغير التجارة العالمية
يخوض العالم تحولات كبيرة على أصعدة السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وينتظره المزيد خلال السنوات القليلة المُقبلة. وتتقاطع هذه المجالات معًا بما يجعل للتكنولوجيا تأثيرًا مُباشرًا على المنتجات وشبكات التصنيع والتجارة الدولية والأنظمة الاقتصادية والبيئية ومستقبل الدول.
وبالتأكيد سيكون من الصعب الإحاطة بمختلف التحولات ناهيك عن ضمان مسارات ثابتة للتغييرات المُرتقبة. ومع ذلك، يظل من المهم استشراف عناوين بارزة لمستقبل العالم. وفي السطور التالية رؤى من ثمانية خبراء في التكنولوجيا والاقتصاد تتناول تأثير الذكاء الاصطناعي وصعود العملات الرقمية ودور التقنيات الجديدة في توطين التصنيع ما يقود إلى تغيراتٍ جذرية في سلاسل التوريد العالمية وإدارة حقوق المستهلكين.
الذكاء الاصطناعي وراء ازدهار الإنتاجية
رأى إريك برينجولفسون، مُدير مُبادرة الاقتصاد الرقمي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، أن التطور الهائل في تقنية تعلم الآلة، إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، على مدار العقد الفائت لم يُثمر حتى الآن صعودًا في الإنتاجية في الولايات المتحدة، بل إن نمو الإنتاجية فيها قد تراجع بنسبة النصف منذ عام 2004.
واعتبر هذا التراجع شائعًا بالنظر إلى تاريخ التقنيات الفعّالة مُتعددة الاستخدامات؛ نظرًا لحاجتها إلى بعض الوقت قبل إحداث تأثيرها كاملًا. وضرب مثلًا بالحواسيب التي غيرت كثيرًا من أوجه الحياة، ومع ذلك فبعد خمسة وعشرين عامًا من انطلاق شركة أمازون لا تزال التجارة الإلكترونية تُمثِّل نسبةً محدودة من الحجم الإجمالي لتجارة التجزئة.
وبالمثل سيستغرق انتشار تعلم الآلة في الاقتصاد وأثرها في نمو الإنتاجية بعض الوقت، ويتطلب حدوثه توجيه الاستثمارات إلى المهارات الجديدة والشركات المُستعدة لابتكارات عميقة في سلاسل التوريد التي تعتمد عليها وعلاقاتها مع المستهلكين وأنواع المنتجات والخدمات.
أفريقيا ساحة التعايش بين البشر والروبوتات
تتوقع الكاتبة الكينية المُتخصصة في الخيال العلمي وصانعة الأفلام وانوري كاهيو أن تصير قارة أفريقيا ساحة لاختبار التفاعل بين البشر والروبوتات؛ نظرًا لقلة القوانين والقواعد الاجتماعية المُقيِّدة للذكاء الاصطناعي تمامًا مثلما شهدت كينيا انطلاق تقنيات الدفع الرقمي.
وضربت كاهيو مثلًا بمشاركة الروبوتات في إدارة حركة المرور في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية قبل نحو عشرة أعوام. وقالت أن السكان يلتزمون بتعليماتها أكثر من التزامهم بتوجيهات ضباط المرور من البشر بسبب اطمئنانهم على سلامة قراراتها من الفساد. وهناك آفاق واسعة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في علاج مشكلات أفريقيا التي ستكون موطنًا لواحد من كل أربعة أشخاص في العالم بحلول عام 2050.
الحواسيب الفائقة في الشركات الصغيرة
يعني توافر أجهزة الاستشعار توليد قدر هائل من البيانات، وبمقدور هذه البيانات تغيير طريقة تصنيع مكونات السيارات –كمثال- في مئات الشركات وذلك عوضًا عن اعتمادها على الحواسيب الصغيرة ونماذج المحاكاة، بحسب بيتر أنجارو الرئيس التنفيذي لشركة “كراي” (Cray) المتخصصة في تصنيع الحواسيب الفائقة. وتوقع أنجارو استخدام الشركات لحواسيب فائقة صغيرة بحجم أصغر من المُتاح في الوقت الراهن سواءً بامتلاكها أو عبر خدمات الحوسبة السحابية.
علم الأحياء دافع للابتكار
على مدار الثمانين أو التسعين عامًا الماضية، لعب البترول دورًا هائلًا في دفع الابتكار على مستوى الوقود والبلاستيك والأدوية وغيرها. وتوقع زكاري بوج، الشريك الإداري في شركة “داتا كوليكتيف” (Data Collective) للاستثمار تغييرًا في هذا الاتجاه؛ ليكون الابتكار المدفوع بعلم الأحياء هو ما يُميِّز العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين.
ويرى بوج أن النباتات المُعدَّلة وراثيًا ستُتيح مساحةً أكبر للتصميم وتركيب مواد جديدة تدعم العيش المُستدام وتدفع الاقتصاد قدمًا، وسيعتمد إنجاز هذا على تطورات الحوسبة والذكاء الاصطناعي بما يسمح بنمذجة المسارات الضرورية للتمثيل الغذائي. وأعطى مثالًا بشركةٍ ناشئة تُطوِّر ميكروبًا لإنتاج بديل لزيت النخيل.
العملات الرقمية مصدر جديد للاحتياطي المالي
يُعد الدولار العملة المُفضلة للاحتياطي المالي العالمي والتعاملات الدولية بفضل استقرارها في مواجهة تقلبات أسعار الصرف، لكن ذلك في سبيله للتغير بحسب ما قال مايكل كاسي، المسؤول الرئيسي عن المحتوى في موقع “كوين ديسك” (CoinDesk) المُتخصص في أخبار العملات الرقمية.
ورأى كاسي أن العملات الرقمية المُرتبطة بعقودٍ ذكية والقابلة للبرمجة ستُزيح الدولار من موقعه؛ وتسمح بالتحويل وفقًأ لأسعارٍ مُتفق عليها مع المحافظة على المدفوعات حتى وقت استحقاقها. ويعني هذا التحول تلاشي ميزات الشركات الأمريكية التقليدية مُقابل صعود الشركات المُبتكَرة وغير المركزية ذات العقلية العالمية.
تداعي سلاسل التوريد العالمية
عوضًا عن الاستيراد ستُسهِم تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات في توطين التصنيع، كما سيزيد الإنتاج الغذائي المحلي، فضلًا عن التغيير المُتوقع في أنماط الاستهلاك بدافع من مساعي تقليل الانبعاثات الكربونية، وفقًا لرؤية الأمينة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال شاران بورو.
ومع الإقرار بافتقار سلاسل التوريد التي تقوم عليها التجارة الدولية الحالية إلى المعايير الإنسانية وشيوع الاستغلال فيها، تتوقع بورو تداعيها واستبعاد كثير من البلدان الأكثر فقرًا منها، ويُنذر هذا بظهور المزيد من الدول الفاشلة وتفشي الفقر. وتقترح ضرورة دعم وسائل بديلة للعمل اللائق مثل رعاية الأطفال وكبار السن والتعليم والرعاية الصحية بالإضافة إلى الاستثمار في تطوير البنية التحتية الإنسانية والخدمات.
مزيد من القوة والحماية للمستهلكين
تتولى هيلينا لوران منصب المدير العام للمنظمة الدولية للمستهلكين (Consumers International) غير الهادفة للربح والمعنية بحقوق المستهلكين. وتتوقع انضمام المستهلكين إلى شركات استثمارية وتعاونيات للبيانات تتولى حماية حقوقهم والتدقيق في استخدام المؤسسات لبياناتهم، وإدارة المفاوضات لصالحهم كما تُنبههم بشأن تعرضهم للمراقبة.
وأعطت لوران مثالًا ببيانات حول المزارعين المُلتزمين بممارسات الزراعة المُستدامة؛ فيستطيع المستهلكون الحصول على أسعار أفضل ومعلومات أكثر بشأن المنتجات الزراعية، وبالمثل يحصل المزارعون على بيانات وضمانات بشأن أنماط الشراء ويتمكنون من تمييز منتجاتهم. ومن شأن هذه المؤسسات أو المشاعات المعنية بالبيانات الزراعية تشجيع ابتكار منتجات وخدمات تُعطي المستهلكين خيارات أكثر تنوعًا وتُسهِم في تعزيز الاستدامة.
هشاشة البنية التحتية للقرن العشرين
تُدير جينيفيف بيل “معهد ثري أيه” (3A Institute) التابع للجامعة الوطنية الأسترالية كما تعمل كزميلة بارزة للأبحاث في شركة إنتل ويهتم عملها بالمساحة المشتركة بين التكنولوجيا والممارسات الثقافية والإنسانية. وتتوقع بيل أن يُواجه العالم في عام 2030 مشكلات التغير السريع للمناخ، كما سيتحول النقاش حول البيانات الذي يقتصر حاليًا على المعنيين بالتكنولوجيا إلى قضيةٍ عامة.
وقالت أن مواطني أستراليا سيكون عليهم التفكير الجدي في مسائل الوصول إلى بياناتهم والبيانات الحكومية على نحوٍ يسمح بإرسال تنبيهات بشأن الحرائق وطلبات الإخلاء وتقارير عن جودة الهواء في الوقت المناسب. وبحسب بيل، سيكشف عام 2030 هشاشة البنية التحتية التي تعود للقرن العشرين بما في ذلك الكهرباء والمياه والاتصالات والمجتمع المدني بأكمله، وهو أمر سيُعيق تحقيق الغايات العامة في القرن الحالي.